لو لا السلب لم يعرف الإيجاب ولو لا الظلام لم يعرف النور والعكس صحيح, ومع مستهل ثنايا هذا المقال أضع شعارات من أبجديّاته وأسس من دعائمه فقد قالت العرب مثلاً كثر مرددوه وقلّ فاعلوه:" من رضي عن نفسه كثر الساخطين عليه "وقد قيل:لكل امرؤ المنزلة التي اختارها لنفسه.وورد من أقوال سقراط أنه قال:" أضر الأشياء بالإنسان رضاه عن نفسه "وقد ورد في إحدى الكتب السماوية: " اسمعوا وافهموا, ما يدخل الفم لا ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان".وقال الشاعر العربي:
شباب بلا حياء
ثوب بلا طوق
شباب بلا حياء
ثوب بلا طوق
فلقد كثر في الساحة الشعرية من يرتدون هذه الثياب، وقد اكتنف موروثنا الشعبي في هذا العصر عادات سوء بسبب من تشبثوا به وعرفوه شكلاً ولم يعرفوه مضموناً، فبدأت الساحة بين الآونة والأخرى ترمي قذاها أمام الملاء، وكل فترة يتجدد لنا بها لون من ألوان القذى، فها هم شعراء يصدحون بأصوات جهوريّة داخل محافل كرنفاليّة، وقاعات ستائرها مخمليّة، يهتفون بأمجاد الأجداد، ويذكرون أفعالاً يذوب منها الجماد، فوقفت محتاراً أئذا كان هذا حقاً! فلما ذا لم يذكر التاريخ هؤلاء الرجال، ولماذا اقتصر ذكرهم عند هؤلاء الشعراء، ولكن ليس العجب في هذه المبالغات العظمى، فأن المحمودين قد أفضوا لما قدّموا، إنما الجرم الأعظم حين يستطردون هؤلاء الشعراء الذين أطلقت عليهم وبكل ثقة ( أنصاف الشعراء ) أفعال من قد مضى قبلهم وبكل إطراء يصل إلى حد الخرافة والخيال، وأفعال تتزلزل منها الجبال، ويقولون بعد ذكر معجزات الاجداد، وعجايب الكرامات، نحن لتلك المفاخر وهي لنا !!!فسألت نفسي فقلت هل ترى ماذا يقصدون ؟هل يعنون أنهم على قدر الشجاعة التي ذكرت في أبياتهم أو الكرم أو العز أو الوفاء ... الخ أو كل تلك.
وإذا هم يجاوبون أنفسهم ويقولون أمام الناس نحن على حذو من قبلنا بفعل العظايم ويبدأ عماهم وتيههم ويستكثرون هؤلاء الأنصاف ويقولون يشهد على ذلك هذه الأبيات!! سبحان الله يثنون ويمجدون انفسهم والمصيبة انهم يعترفون بأن شواهدهم هي أقوالهم وأشعارهم هذه بعينها، وكأن المكارم التي ذكروها في أجدادهم في صدد قولهم أنهم ما زالوا محافظين عليها ولكن الحفاظ تغير وأصبح في أبيات القصايد، وأقتصر على أقوال عالية الصوت، وأهازيج وتصفيق حار من قبل الحاضرين، ولم يعلم هؤلاء الأنصاف أن المكارم تبقى ما بقيت هذه الدنيا أفعال مشهوده وليست أقوال مردوده، ولو كان الامر كما يعتقدون لفاز بالمكارم الشعراء، واقتصرت المفاخر على الأدباء، ونال الثناء أصحاب الكلام والحكماء، فإذا كان هؤلاء الأنصاف صادقين في أن المكارم التي ذكروها في الذين قبلهم ما زالت فيهم وأنهم ورثوها وبقت معهم فلا يشهدوا على أنفسهم بأبياتهم على ذلك فليدعوا الناس تشهد لهم يقول الشاعر / جلوي التبيناوي الشمري –رحمه الله-:
لا خير في من يفخر ابماضي أجداده
و هو عاجز(ن) عن ربع الأول يسويه
.
أفعـل وتكفيـك الخلايـق شـهـاده
الفعل برهان(ن) صدوق(ن) لماضيـه
أفعـل وتكفيـك الخلايـق شـهـاده
الفعل برهان(ن) صدوق(ن) لماضيـه
وصدق أرسطوا حين قال:" ليست الشجاعة أن تقول ما تعتقد، بل الشجاعة في أن تعتقد في كل ما تقوله "ومن لم يتأدب من هؤلاء الأنصاف، ولم يسمع توبيخ الزمان والعقلاء يقتضي عليه المثل:" من يرفض التأدب يُرذل نفسه،ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً"هؤلاء الأنصاف لم يراعوا ضمائرهم، ولم يراعوا الصدق في حقيقة موقفهم يقول فاركوهار:" الصدق بحر عميق وقليلون جداً الذين غاصوا إلى قاعه "الآ يستحيون هؤلاء الأنصاف من انفسهم قبل الإعلام والناس، الآ يستحيون من الشعر والموروث والموقف الذي يقفونه:
إذا لم تخشى عاقبة الليالي
ولم تستحي فأصنع ما تشاءُ
ولم تستحي فأصنع ما تشاءُ
وقد صدق من قال:
من يَهن يسهل الهوان عليه
ما لجـرح بميـتٍ إيـلامُ
أكتب هذه الحروف من باب الإنصاف في ( أنصاف الشعراء )وتقبلوا حرفي وصادق شكري فهذه وجهة نظر شخصية تعبر عن قناعة ذاتية, وتعكس ملامح خفية, ليست بالضروره يوافقني عليه البعض
.
والله أعلم
.
الـقـفـيـعـي - جليس الدار
.